المقالات

القوة الناعمة والعلاقات الدولية والدبلوماسية

عمر مهدي العبادي – رئيس مؤسسة ماسترز – لندن

تتمتع الدول بامتلاكها للقوى المتعددة والتي تتباين في مستوياتها وقابلياتها للتاثير في محيط تلك الدول الاقليمي ومكانتها الدولية. و تختلف الدول كذلك في رؤيتها حول الكيفية التي تمكنها من الوصول لتحقيق اهدافها المرحلية والاستراتيجية بالاعتماد على مصادرها الذاتية وقدراتها المختلفة والتي تستند بشكل اساسي على مكونات تلك الدول وخلفياتها. التاريخية والثقافية وقدراتها العسكرية والاقتصادية والعلمية ومواردها البشرية المنتجة.

وعند الحديث عن قوة الدول خصوصا قدر تعلق الامر بسياساتها الخارجية وممارساتها الدبلوماسية يجب ان نسلط الضوء اولا على جغرافية الدولة المعنية وموقعها الاقليمي والذي يشكل الحجر الاساس الذي يمكن الدولة المعنية في ان تبلوردورها الجيوسياسي بنضج ورؤية اكثرعمقا الامرالذي ينعكس ايجابيا على مؤشرقوة اوضعف الدولة وقدرتها على التعاطي الدبلوماسي مع القضايا التي تهم محيطها الاقليمي على وجه الخصوص.

ويعد تاريخ الدولة المعنية سمة وميزة لاتقل اهمية عن موقع الدولة الجغرافي اذ يؤثر في المكانة التي تحضى بها الدولة في المجتمع الدولي خصوصا اذا كان تاريخ تلك الدول قد شهد لها انها لعبت ادورا مباشرة في عمليات احلال السلام والامن الدوليين و تحقيق مبادئ العدالة والمساواة واحترام اللوائح والقوانين الدولية.

 

لكي تتمكن الدولة من تفعيل دورها السياسي المؤثر وبناء علاقاتها الدولية الناجحة تولي الدول الاهتمام المباشر و الدقيق بوحدات السياسة الخارجية بوجهيها الدبلوماسي والاستراتيجي وهما وجهان متكاملان للسياسة الخارجية للدولة .

ان فن السياسية هو فن ادارة علاقة الدولة مع الدول الاخرى بمقتضى المصالح المشتركة والمتبادلة والارتكاز على المصلحة الوطنية والقدرات الذاتية للدولة انطلاقا من هذا المفهوم سنحاول ان نسلط بعض الضوء على اتجاهين رئيسيين للدبلوماسية الخارجية وهما الدبلوماسية الخشنة اوالصلبة و الدبلوماسية الناعمة واهمية امتلاك الدول الادوات تلك تمكنها من ان تمارس بها سياساتها الصلبة والناعمة على حد سواء.

لكي نتعرف بشكل اكبرعلى الفرق بين وجهي السياسية الخارجية الصلبة والناعمة ربما يجدر بنا ان نلاحظ الفرق بين مقومي القوة والقدرة التي تمتلكها الدول،  فقوة الدولة هي نابعة من عوامل متعددة ترتكز بشكل كبيرعلى قواها الصلبة العسكرية والاقتصادية ومركز تلك الدول المالي العالمي اما قدرة الدولة فهي امكانية الدولة الفعلية على استخدام مصادر قوتها الصلبة وقدراتها الاخرى في تحقيق اهدافها الاستراتيجية اوالمرحلية بدون الحاجة الى الدخول في معترك الصراعات المسلحة المباشرة وغير المباشرة اوعوامل الضغط الاقتصادي على الدول المستهدفة للوصول الى النتائج المتوخاة خصوصا اذا اقترن الامر بعمل دبلوماسي مكثف وواسع الطيف.

تعد الدبلوماسية مفهوما قديما مارسته المجتمعات الانسانية المصغرة ومجتمعات دويلات المدن والتي شكلت دولا اكبراسهمت ببناء العديد من الحضارات الانسانية المتقدمة، وكانت الدبلوماسية ترتكز بشكل اساسي على مفهوم القوة الصلبة في نشر مفاهيم الدول ورؤيتها الخارجية وبذات الوقت مارست الحضارات والتكوينات السياسية قدرتها على استخدام ادواتها الصلبة في حسم الصراعات الاقليمية والتوسع على حساب القوى الاخرى، واستطاعت المجتمعات الحضارية ايضا على مدى تاريخها ان تستخدم قواها الناعمة في الوصول لاهدافها اذ تعددت اساليب استخدام تلك القوى الناعمة ونتائج تاثيرها في المحيطات المجاورة واستطاعت تلك الدول الحضارية ايضا من ان تطوع العمل الدبلوماسي وتمسك بزمامه بشكل ملفت للنظر خصوصا قدر تعلق الامر بالصراع المحتدم بين تلك الدول الحضارية للسيطرة والتفوق العسكري والاقتصادي والاجتماعي ورسم مفاهيم التميزالثقافي والحرص على رقي المفاهيم الانسانية وتطورها وفي التاريخ الحديث حيث ظهرت الحاجة الى وجود عوامل جذب دبلوماسية اكثر فاعلية خصوصا في ظل تطور النظرية السياسية والدبلوماسية والبيئة الدولية الحاضنة لمثل هذا التطوروتعاظم الاثار السلبية والتكلفة الاقتصادية والخسائر البشرية والتبعات الانسانية لاستخدام القوة الصلبة كجانب اساسي من الحل الدبلوماسي في رسم السياسات الخارجية. هذه الحاجة ادت الى تغير دراماتيكي في ممارسة ماهية القوة وتفعيل مبدا القدرة بشكل اكبر لتحقيق اهداف الدول بعيدة المدى دون الحاجة الستخدام القوة المفرطة عسكريا واقتصاديا. واصبح مبدا توازن التوازن العالمي مثابة النداء للقادة وصانعي القرارالدبلومسي وراسمي السياسات الخارجية للدول ان يكونوا على دراية كاملة بالمتغيرات الدولية المتسارعة والتي تتطلب نوعا مختلفا من الممارسات الدبلوماسية الدولية الامر الذي يتطلب الارتكاز على استراتيجيات وخطط عمل حديثة ومختلفة عن سابقاتها تماما.

أدت هذه العوامل مجتمعة الى اللجوء لاستخدام السياسة الناعمة وخطط الحرب الناعمة بالشكل الذي تلعب فيه هذه الاساليب الحديثة الدورالفاعل والاهم في رسم السياسات .الخارجية للدول في ظل النظام الدولي الحديث والمتجدد اعتمادا على القوى الناعمة التي تمتلكها الدول.


 

القوة الناعمة.. المرتكز الاخطر في عمليات السيطرة الفكرية والحرب الناعمة الحديثة ماهي القوة الناعمة وكيف لها ان تؤثر في مسار العلاقات الدولية والدبلوماسية في العصر الراهن

تعرف القوة الناعمة حسب ما اصطلح عليه جوزف ناي استاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد عام 1990 بانها قدرة الدولة على الحصول على ماتريد بواسطة الاقناع وليس الاكراه والتاثير على الاخرين لاستحصال النتائج المرجوة بواسطة استخدام عوامل الجذب وليس بالاعتماد على استخدام القوة المفرطة اوالعوامل الاقتصادية. المالية وتفسرالقوة الناعمة للدولة ايضا بكونها القدرة على التواصل بالعلاقات المباشرة والقابلية على التاثير في ردود افعال المحيط الاقليمي والدولي للدولة بطريقة سلسة وباستراتيجيات طويلة الامد واللجوء لاساليب اضهار قدرة الدولة على تفعيل ادواتها الداخلية وسياساتها الخارجية المرسومة بعناية لهذا الغرض، وتتيح سياسات القوة الناعمة للدولة ادارة شؤؤنها الداخلية والخارجية وانشطتها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية و المدنية وابراز قدراتها على اتخاذ قراراتها باستقلالية شبه كاملة دون الخضوع الى التاثيرات الخارجية بنسبة كبيرة.

ان تطورالنظرية السياسية بالعالم الحديث اتاح لمهموم القوة الناعمة والسياسات الناعمة ان تلعب الدورالاهم والاكثر فاعلية في السياسات الخارجية بسبب النجاح الملفت للنظرالذي حققته اساليب القوة الناعمة في ترسيخ مكانتها الفاعلة في القضايا الدولية وحسم العديد من الصراعات الفكرية.

ان امتلاك الدولة للقدرة على استخدام قواها الناعمة تطورالى كونها قادرة على التاثيرعلى ردود افعال الدول الاخرى ونهج تفكيرها في رسم سياساتها الخارجية وتحييد بعض تلك السياسات تجاه المصلحة الوطنية للدولة المعنية بعمل يشابه الى حد كبير عمليات غسيل الادمغة التي تمارس على صعيد الافراد بحالات خاصة، يمكن لنا ان نتعرف بشكل اكثر دقة على مفهوم القوة الناعمة بالتعرف على مصادرها ومقارنتها بالقوة الصلبة او الخشنة والتي تعد الوجه الاخر للدبلوماسية الخارجية والنقيضة من اساليب القوة الناعمة من حيث الاستخدام والنتائج التي اسفرعنها اللجوء الى استخدام احدى تلك القوتين في السياسات الخارجية.

—-

مصادر ومرتكزات القوة الناعمة في رسم السياسات الخارجية

اولاً: الارث والوضع الثقافي للدولة: تتمكن الدولة من خلال عناصرها الثقافية ان تكون عامل جذب مهم لباقي الدول الاخرى والشعوب المهتمة بثقافة هذه الدولة اذ تلعب الثقافة بعواملها المتعددة دورا دبلوماسيا متميزا في نشر رسالة الدولة الخارجية والمفاهيم التي تتبناها الدولة، وتسعى الدول في عصرنا الراهن ان تدفع بالجانب الثقافي الى واجهة المشهد السياسي الدولي الاحداث تاثيرات من شائنها ترسيخ صورة الدولة الايجابية ومقاربتها مع نظيراتها بالعالم مما قد يسهم في امكانية الدول المستهدفة من ان تمارس قواها الصلبة تجاه الدولة المعنية. مارست الدول والشعوب على مدى تاريخها القديم والحديث ايضا التبادل الثقافي والمعرفي كاداة لبناء سمعة الدولة والحصول على مكتسبات ايديولوجية بهدف التاثيرعلى المتلقي الخارجي، ان العامل الثقافي للدولة شكل احد اهم ركائز القوة الناعمة بما تشكله الثقافة من خاصرة رخوة تتيح لصانعي القرار السياسي والدبلوماسي من تطويعها كاداة للسياسة الخارجية، وتتناسب قدرة الدولة السياسية الخارجية طرديا مع حضورها الثقافي الدولي على مستوى المؤسسات او الافراد المبدعين في المجال الثقافي ممن يتمكنون من مخاطبة الجمهور العالمي من خلال ابداعاتهم و تخصصاتهم.

تعبر السينما و المسرح وحركة النشروالتاليف والموسيقى وحفلات دور الاوبرا ومعارض الفن التشكيلي والحملات الاعلانية عن ثقافة وتاريخ البلد عبرالوسائل المتاحة والدفع بالمبدعين للقيام بزيارات مباشرة للعديد من دول العالم بقصد نشر ثقافات وفنون الدولة تلك على الصعيد الدولي، ان احدى اهم الممارسات المباشرة للقوة الناعمة خصوصا والدبلوماسية تتحول هنا الى نوع من انواع التواصل الانساني الفكري والحضاري والذي يتمكن منه المبدعون من لعب دورسفراء لبلدانهم يمارسون عملهم الدبلوماسي باسلوب غير مباشر

ثانياً: القيم السياسية الرصينة : تلعب المواقف الثابتة للدبلوماسية والخطاب السياسي والدبلوماسي المتوازن تجاه مناقشة القضايا الدولية والمعضلات التي يمر بها العالم والقدرة التي تتمتع بها الدبلوماسية على الالتزام بقيمها العالية التي تبتعد بها الدولة عن الدخول في صراعات وتجاذبات القوى الدولية دورا فاعلا في رسم سياساتها الناعمة و ابراز قدرتها على الصعيد الدولي، اذ يعد الالتزام بمعاييرومبادئ حقوق الانسان والدعوة الى تطبيقها بعدالة والعمل بالاسس الديمقراطية على الصعيد الداخلي والمناشدة الدائمة لتطبيق تلك المعايير دوليا وتفعيل دورمنظمات المجتمع المدني والمنظمات القانونية والحقوقية والدفاع عن حقوق الانسان والاقليات وتوسيع العمل بالمساهمة في برامج الاغاثة الدولية والدعم الطبي واللوجستي للنازحين في مناطق الصراع والدول المنكوبة جراء الكوارث الطبيعية هي الركائزالرئيسية لهذا القطاع الحيوي.

 ثالثاً: السياسات الخارجية للدولة: تعد السياسات الخارجية للدولة عاملا جذريا يسهم في ابراز دور القوة الناعمة في التاثير الدولي والاقليمي التي ترنوا اليه الدولة خصوصا اذا كانت تلك السياسات قائمة على مبادئ التعايش السلمي و احترام اللوائح والقوانين الدولية والاعراف الاممية.

ان قوة الدولة الناعمة في سياساتها الخارجية تتاتى من استنادها على مبدأ الاعتدال في الطرح والاخذ بنظرالاعتبار دائما ان مصلحة الدولة هي في بناء علاقات دولية متوازنة مع جميع الاطراف بدون الحاجة الى التطرف وعدم الحيادية في اتخاذ المواقف والقرارات التي من شانها ابراز قدرة السياسية الخارجية.

رابعاً: التعليم: مما لاشك فيه ان القطاع التعليمي هوالمفهوم الاكثر شيوعا واستخداما في نشردبلوماسية الدولة الخارجية وتعزيز قدراتها ومكانتها الدولية كاداة فاعلة من ادواة القوة الناعمة.

تسعى الدول المتقدمة الى تطوير قطاعتها التعليمية بشكل مستمر ورفدها بكل الامكانات التي تتمكن بها الدولة من ان ترسم صورتها المميزة خارجيا وان ترتقي بمكانتها بين دول الصفوة العالمية وان تكسب العديد من المؤيدين لتلك الدولة بما يمثله قطاع التعليم من كونه عامل جذب مرموق. تحرص الدول ان تضع القطاع التعليمي في واجهة عملها الدبلوماسي الدولي الناعم خصوصا عند اكتساب مؤسسات تلك الدولة التعليمية للسمعة الدولية والجيدة والاحترام بين نظيراتها في الدول الباقية.

استطاع القطاع التعليمي ان يلعب دورا دبلوماسيا من خلال نشر الثقافة التعليمية والعلمية والانجازات على الصعيد البحثي واصبحت الجامعات المرموقة حواضرا دبلوماسية ترسخ بناء علاقات دولية متشعبة مع باقي الدول بشكل ايجابي سلس وناعم خصوصا اذ اقترنت العملية التعليمية بالاطر الثقافية للدولة على سبيل المثال المعاهد الثقافية البريطانية والفرنسية والتي تدرس اللغتين الانكليزية والفرنسية في بلدان العالم تحت مسمى ثقافي يمزج بين التعلم ونشر ثقافة البلدين في العالم.

خامساً: المبادرات الاقتصادية والتجارة البينية العالمية: تتمكن الدول من بناء علاقاتها الدولية المتميزة ونشر مفاهيمها الدبلوماسية من خلال مبادراتها الاقتصادية الدولية والتي تعكس مدى قوة الدولة الداخلية واستقرارها السياسي و الاقتصادي والذي ينعكس ايجابا على تقبل الدول المحيطة اوالعالمية الي مبادرة او مشروع اقتصادي مشترك خصوصا اذا اقترن الامر بالعوائد الانسانية وتطوير المجتمعات والبنى التحتية للدول المستهدفة خصوصا اذا نتجت تلك المبادرات الاقتصادية عن توقيع اتفاقيات للتجارة البينية والتبادل السلعي والمعرفي طويل الامد مما يسهم في بلورة قوة الدولة الناعمة خارجيا.

سادساً: العالم: يعد العالم بوسائله التقليدية اوالحديثة والرقمية ومنصات العالم الاجتماعي الوسيلة الاكثر عمقا و فاعلية من وسائل القوة الناعمة للدولة والذي يسهم بدقة اكبر في رسم السياسات الخارجية للدولة وتمرير الاجندات الثقافية والرسائل السياسية للمجتمع الدولي بدون قيود.

يلعب العالم دوره المؤثر ايضا في الدفاع عن رؤية الدولة قدر تعلق الامر بسياساتها الخارجية ويسهم ايضا ببناء علاقات دولية مفتوحة الافق.

 سابعاً: الحوار والثقافة الدينية: لعب الجانب الديني دور القوة الناعمة على مدى العصورالانسانية وتباينت تاثيرات الحوارالديني المستند الى الاديان السماوية اوالوضعية خلال فترات التطورالانساني.

لعب العامل الديني دورا محوريا في جذب المؤيدين ونشرثقافات مختلفة ومتعددة استخدمت في كثيرمن الاحيان كممهد لعمل دبلوماسي كبيراوتدخل جيوسياسي في شؤون دول اخرى تماما كما تم استخدام الارساليات التبشيرية تحت اطارالحوار الديني والذي نتج عنه استخدام واسع للقوة الصلبة في التدخل في العديد من مناطق العالم القديم.

 ثامناً: الدبلوماسية العامة: تكتسب القوة الناعمة اهميتها من اهمية مصادرها وقدراتها على التاثيرالمباشرعلى الصعيد الدولي وياتي ذلك بواسطة الاستناد على مفاهيم تمكنها من لعب هذا الدور وربما نستطيع القول بان مفهوم الدبلوماسية العامة هو احد اهم اساليب القوة والدبلوماسية الناعمة على حد سواء.

وتعد الدبلوماسية العامة مفهوما دبلوماسيا حديثا انتجته عوامل التطورالحضاري والانساني وعوامل تطور النظرية السياسية والدبلوماسية ايضا والحاجة الى تجاوز الحاجز التقليدي للدبلوماسية بالاعتماد على مبدا التواصل مع الجمهور المستهدف بشكل مباشرلايصال الافكار و المفاهيم من خلال ادارة العلاقات الدولية بواسطة كيانات غير حكومية اومؤسسات متعددة المهام واصبح دور المواطن اوالناشط في المجالات المتعددة مهما في نشر صورة الدولة الى الخارج من خلال الحوار مع الجمهور المستهدف.

تطور مفهوم الدبلوماسية العامة ادى الى بروز الحاجة الماسة للممثليات الدبلوماسية الخارجية للدولة بان تتحرك باتجاه التفاعل مع الجمهورالمستهدف الامرالذي يسهم بالتعاطي الذكي مع الامورالتي تهم المصلحة الوطنية من خلال الاعتماد على الفهم المعمق للادوار التي تؤديها المصداقية والشفافية ومفاهيم المجتمع المدني المتحضر في الحوارمع الجمهور المستهدف.

تاسعاً: العمل التطوعي والثقافي المشترك: يعد العمل التطوعي ضمن مشاريع انسانية اواغاثية اوثقافية احد العوامل التي تطورت حديثا مع تطورالعمل الدبلوماسي والتبادل الثقافي والانفتاح المعلوماتي و واصبح عاملا مهما من عوامل القوة الناعمة للدولة اذ يسهم العمل التطوعي في تعزيز صورة الدولة الخارجية بكونها دولة قادرة على الاندماج في مشاريع بناء القدرات الاجتماعية ومساندة الشعوب التي تتعرض للنكبات خلال فترات ازماتها و يسهم ايضا في تعزيز مفاهيم الديمقراطية والحوكمة وترسيخ مبادئ حقوق الانسان من خلال فعاليات المتطوعين ومؤسسات الاغاثة ضمن مشاريع عابرة للحدود والثقافات.


 

كيف يمكن لنا ان نقيس قوة الدولة الناعمة؟

يمكن قياس قوة الدولة الناعمة ومدى تاثيرها في السياسات الدولية والدبلوماسية الخارجية بنجاح بالطرق التقليدية وغيرالتقليدية اي من خلال البحث في سياسات الدولة الخارجية ذاتها وحوارها الدبلوماسي وتعاطيها مع القضايا الدولية ومعيارالثقة التي يوليها المجتمع الدولي لمؤسسات تلك الدولة الثقافية والتعليمية والقانونية ومن الاحترام الذي يلاقيه مواطنوا تلك الدولة في الخارج ومن خالل نشاطها في عمليات التبادل الثقافي والتعلمي واحتضان اللاجئين والزوار والطلبة الدارسين وفاعلية ممثلياتها الدبلوماسية في نشاط التواصل العام المباشر مع الجمهور.

من الامثلة على نجاح استخدام القوة الناعمة في السياسة الخارجية الضغط المتواصل خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق والذي مارست فيه الدولتان حربا ناعمة باستخدام كل ادوات القوة الناعمة التي تمتلكانها نتج استخدام الحرب الناعمة من جانب الولايات المتحدة ودول حلف الناتوالى نجاح باهربتفكك الاتحاد السوفيتي الى دول متعددة واصطفاف لبعض دول المعسكرالشرقي السابق باتجاه الانخراط في الفكر الليبرالي الاميركي ومحاولاتها الحثيثة للانظمام الى حلف الناتو.

وشكل ايضا تكوين الاتحاد الاوروبي نجاحا اخر للقوة الناعمة بتشكيل هذا التجمع الدولي الجديد بكونه كتلة موحدة تشكلت تحقيقا لرؤية عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية كانت عاملا فاعلا في الجذب المتواصل لاكتساب المزيد من الدول المهتمة بالانظمام للاتحاد.

ومن جانب اخر نرى ان استخدام القوة الناعمة قد يخفق في الوصول الى النتائج المرجوة منه كما اخفقت السياسة الخارجية الاميركية في التدخل المباشربشوؤن الدول الافريقية والمحاولة الامريكية باستخدام تاثيرها الناعم في القارة لخلق ارضية لتواجد طويل الامد يرتكز على ثلاثة اسس رئيسية ” دعم قطاع النفط والطاقة- مكافحة الارهاب ومراقبة المناطق التي لاتخظع للسيطرة الحكومية – مراقبة واحتواء تزايد التاثير الصيني في القارة.” لكن هذه الاستراتيجة قد شكلت فشال كبيرا بسبب تزايد المخاوف المقابلة من الدول الافريقية من تحول هذه المبادرات الى نوع حديث من التسلط والامبريالية الامريكية المباشرة.

من الجدير بالذكر ان تطبيق مفاهيم القوة الناعمة في رسم السياسات الخارجية قد رافقها ظهوربعض نقاط الضعف والتي اثرت بشكل سلبي على النتائج التي يتوخاها القائمون على رسم السياسات الخارجية للدولة، ان القدرة التاثيرية للقوة الناعمة بجانبها الثفافي مثال لايمكن مقارنتها بقدرة التاثيرالعسكري والاقتصادي في حسم الصراعات، وكذلك نرى ان نتائج سياسات القوة الناعمة تعتمد بشكل اساسي على العديد من العوامل والضروف الواجب توافرها لتحقيق الاهداف المرجوة ولكن لايمكن الجزم مطلقا بان الشعوب المستهدفة قد تتاثر او تنجرف وراء المد الفكري والثقافي وعمليات التدخل الناعم التي تمارسها الدول المستفيدة، والعامل الاخر هو ان الفترة الزمنية التي تستغرقها القوة والسياسات الناعمة للوصول الهدافها المنشودة هي فترة طويلة ولذلك يعتبرعامل الوقت نقطة ضعف واضحة في تطبيق القوة الناعمة خصوصا خلال فترات الازمات التي يتطلب فيها القيام بخطوات انية.

المقارنة بين استراتيجيات القوة الناعمة على المديات القريبة والبعيدة المدى القريب المدى البعيد

 

القريب البعيد
اولا- تشجيع المؤسسات الوطنية الرصينة

 

ثانيا- تفعيل مبادئ الشفافية و القدرة على التداخل المباشر في المشاريع الانسانية دوليا

 

ثالثا- الاستخدام المستمر الامثل للدبلوماسية العامة

 

رابعا- المساهمات الفاعلة في مشاريع دولية ذات طابع ثقافي و نشر الثقافة المحلية و التاكيد على حقوق الاقليات

 

اولا- الاستخدام المباشر للاعلام واللاعلام الاجتماعي

 

ثانيا- الخطاب السياسي عالي المستوى

 

ثالثا- برامج المساعدات الانسانية

 

رابعا- تنظيم المؤتمرات الدبلوماسية واجتمعات القمة عالية المستوى

 

خامسا- زيارات دبلوماسية لمسؤلين رفيعي المستوى

 

سادسا- توقيع اتفاقيات التبادل والتعاون التجاري

 

سابعا- زيادة فاعلية منظمات المجتمع المدني و الاهتمام بثقافة التسامح والمواطنة

 

 

 

القوة الصلبة او الخشنة

تعد القوة الصلبة او الخشنة النقيض المباشر للقوة والسياسات الناعمة والوجه الاخر للسياسة والاستراتيجية الدولية،  والقوة الصلبة هي قدرة الدولة على احداث تاثيرات على دولة معينة او دول اخرى او تجمعات بشرية ضمن المجتمع الدولي بواسطة استخدام وسائل القوة العسكرية والتهديد المسلح والقوة المفرطة واستخدام الحرب الاقتصادية بكل اشكالها المباشرة وغيرالمباشرة والمقاطعات الاقتصادية والحظر التجاري المشترك اوالتاثير في النشاط التجاري الدولي و كذلك بواسطة استخدام القوة المالية للدولة الاحداث تاثيرات مباشرة في السياسة الخارجية للدول المستهدفة واستمالة المواقف المؤيدة للسياسة الخارجية او فرض التدخل المباشر في المواقف الدولية والقرارات الاممية تجاه .تحييدها باتجاه التوافق مع استراتيجات تلك الدولة الخارجية.

المقارنة بين استراتيجيات القوة الصلبة على المديات القريبة والبعيدة

المدى القريب

 

المدى البعيد

 

اولا- العقوبات الاقتصادية

 

اولا- المقاطعة والحظرالاقتصادية للتجارة البينية والدولية

 

ثانيا- التدخل العسكري المباشروالتهديد باستخدام القوة المسلحة المفرطة

 

ثانيا- الاحتلال العسكري الموسع بعمليات عسكرية مباشرة

 

ثالثا- الدبلوماسية المفروضة بالقوة

 

ثالثا- قطع امدادات الطاقة بكل اشكالها

 

رابعا- رفض التعاون الدبلوماسي

 

رابعا- غلق السفارات والممثليات الدبلوماسية و سحب السفراء

 

خامسا- تعزيزمفاهيم عدم الثقة بالجانب المستهدف

 

خامسا- تسريب معلومات رسمية ذات طابع سيادي

 

سادسا- التدخل بالشوؤن الداخلية للدول المستهدفة بشكل مباشر وصريح

 

سادسا- التهديد المباشر عن طريق الخطاب الدبلوماسي شديد اللهجة عبر الاعلام

 

سابعا- تجميد الاصول البنكية ومصادرة اموال الدول المستهدفة

 

 

القوة الذكية

القوة الذكية هي المصطلح اكثر حداثة و عمقا في مسار السياسات الخارجية للدول ضمن اطار تطور النظرية الدبلوماسية اذ تعني القوة الذكية عملية المزج بين القوتين الصلبة و الناعمة تحت اطار واحد وخطط عمل مشتركة لتحقيق اهداف اكثر شمولية و بطابع دولي طويل الامد اذ تلعب سياسات القوة الذكية دورا فاعال في النظام العالمي و الدولي الجديد و المتسارع في التطور وتتطلب القوة الذكية الارتكاز على قدرات الدول العالية بشقيها الصلب والناعم و القدرة على مزج القوتين في تحقيق الاهداف الاستراتيجية لكي تتمكن الدولة المعنية من ان تلعب دورا اقليميا و دوليا اكثر تاثيراً

 

هيئة التحرير

هيئة تحرير مجلة العراق الديمقراطي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى